Loader

انسحاب ..!

الثلاثاء / 31 مايو - 2022 م
140
1

في مشهد يعيد نفسه كل عام خلال الأسبوع العاشر من الفصل الدراسي الثاني، يدخل طالب يدرس السنة الأولى إلى مكتبي مستشيرًا. صوت متهدّج، ونبض يتردد يخفق في صدره، ونهجانُ قلقٍ بادٍ على محيّاه، دكتور: أريد أن أنسحب من الجامعة!
هي حالة يمكن الحكم عليها بأنها ارتقت لتكون ظاهرة عند طلاب السنة الأولى، ولعلنا نلقي الضوء من خلال هذه الورقة على أهم الأسباب الظاهرة لنشأة هذا الأمر وظهوره في السنوات الأخيرة.
لعله من الخطأ بمكان أن نحصر الأسباب في مرحلةِ ما بعد الالتحاق بالجامعة؛ لأن أسبابًا قد تكون هي الأكثر تأثيرًا، تلك التي تسبق التحاق الطالب بالمرحلة الجامعية. ولعلي أنظر إلى هذه الأسباب من جهتين: اجتماعية وأكاديمية.
لقد اعتدنا خلال مراحل دراستنا الأولى في المرحلة الابتدائية ثم المتوسطة أن نسمع كثيرًا بعض الأسئلة المتكررة، خاصة خلال الاجتماعات العائلية والأسْرية، كتلك التي تسأل عن طموح الطالب عند التحاقه بالجامعة. والطالب من خلال سماعه المتكرر في تلك الاجتماعات يكاد يحصر تخصصات النجاح من خلال مسارات ثلاثة أو أربعة. فالنجاح والتميز لا يكاد يخرج عن تخصصات الطب، والهندسة، والطيران، أو الدرجات العسكرية في مسار الضباط.
هذا النمط السائد من التفكير في مجتمع الطلاب؛ ساهم في تقسيم غير واع للمجتمعات الأكاديمية على اختلاف أقسامها وتخصصاتها.
لا نستطيع الإنكار بأن مهنة الطبابة أو الهندسة، أو تلك التي لا يرى الطالب نجاحًا وتميّزًا سوى بالالتحاق بها! هي تخصصات مميزة في ذاتها، لها قدم السبق في ميدان التخصصات المختلفة، والوظائف المتاحة بعد التخرّج. لكن ما قد يغيب عن فكر الدارسين عمومًا - إلا ما ندر هو أن معادلة التميّز قد ندّت عن مسارها القديم، فلم يعد التخصص وحده هو المهيمن على مسارات التميّز، بل أصبح الدارس عنصرًا فاعلًا بنسبة أكبر لخيارات التوظيف بعد التخرّج. ولم تعد التخصصات هي المحرك لمعادلة قبول الدارس بعد التخرج، بل أصبح تميّز الدارس هو الجانب الأقوى لشغل هذه الوظيفة.
أما الجانب الأكاديمي فلعله يعود إلى عدم اختيار التخصص المتناسب مع ميول الدارس تجاه علم بذاته، فالتشتت عند اختيار التخصص هو السبب الأكبر في تيه الدارسين وترددهم بعد بدء الدراسة، خاصة حين تسمع عبارات ضجر متكررة: لا أجد نفسي في هذا المكان، هذا المكان لا يشبهني ...، إلى غير ذلك من عبارات مفادها: عدم الاقتناع بالتخصص المدروس. ثم ينتج عن ذلك فكرة الانسحاب من الجامعة والتقدّم من جديد في السنة القادمة، أو الاستمرار بضجر وعدم اقتناع مؤدّاهما الإخفاق في الدراسة، أو قرار متأخر بالانسحاب من الجامعة.
هذه الظاهرة، حتى وإن كان سببها الأكاديمي باديًا على السطح، إلا أن للمجتمع والأسرة دورًا بارزًا في صنعها. وهنا يأتي التساؤل: حتّامَ نظل نتاجًا لقرارات غيرنا؟! ومتى تكون اللحظة التي ننفك فيها من أسر فكر جمعي يحكم قراراتنا ويوجّهنا من خلالها؟! هل سيأتي اليوم الذي نخلع فيه ربقة النظرة لنا؛ لنكون نحن، نحن فقط؟ أرجو ذلك.
 
دمتم بخير..