الإيقاع الخارجي في مرثيات عبد الرحمن العشماوي (ديوان "هي أمي" أنموذجا)
المستخلص
تتناول هذه الدراسة غرضا من أغراض الشعر العربي، تناوله النقاد في العديد من الدراسات النقدية قديما وحديثا. إنه غرض الرثاء في موضوع الأم، وهو يندرج تحت أغراض الشعر العربي المتنوعة.
فمنذ أن بدأ اهتمامي بالدراسات الأدبية والنقدية كان يشدني شعر عبد الرحمن العشماوي، ومن خلال قراءتي لشعره ولبعض الآراء النقدية فيه تكونت في نفسي بعض التساؤلات التي حركت روح البحث.
جاءت الدراسة لتناقش مرثية الأم في إحدى مدونات شاعر معاصر نال من الشهرة ما يسمح للباحث بدراسة شعره في مجال ما، لا سيما غرض الرثاء التي يمتاز عن غيره من الأغراض الشعرية بصدق العاطفة بعيدا عن التزلف والتملق الذي قد نجده في أغراض أخرى للشعر.
لقد اجتمع لهذه الدراسة ما يميزها من حيث الشاعر والغرض، فالشاعر هو عبد الرحمن العشماوي شاعر معاصر تميز في العديد من الأغراض الشعرية لا سيما الرثاء، والغرض الرثاء الذي يعد من أصدق الأغراض في الشعر العربي.
ومما امتازت به هذه الدراسة هو انفرادها بدراسة ديوان واحد سلطت عليه كشاف البحث والتنقيب عن أثر البحر والميزان الشعري في قصيدة الرثاء، لا سيما أن الديوان جاء كاملا في غرض واحد هو الرثاء، وفي موضوع واحد هو الأم. ولعل هذا مما ساعد الباحث على تسليط الضوء في قراءة أوزان القصيدة ودراسة بحورها وإيقاعها الخارجي مشتملا على البحر والقافية.
وقد عرج البحث على دراسة العديد من الصور الشعرية والعواطف والأخيلة من خلال قراءة النصوص الشعرية المختلفة في موضوع الأم، والتي أسهمت - دون شك - في رفع مستوى الديوان وانتشاره.
المقدمة
تأتي هذه الدراسة التي عنونتها بـ(الإيقاع الخارجي في مرثيات عبد الرحمن العشماوي ديوان "هي أمي" أنموذجا)، لتدرس ظاهرة مهمة في الدراسات الأدبية والنقدية، فهي تدرس الإيقاع في غرض الرثاء من خلال شاعر معاصر بدأ اهتمامي بمدوناته الشعرية منذ بداية اهتمامي بالدراسات النقدية والأدبية. فقد كان يشدني شعر عبد الرحمن العشماوي في جميع أغراضه لا سيما مرثياته متنوعة الموضوعات، فعبد الرحمن العشماوي رثى الأماكن والأزمنة والأمة والنفس ...، ومن خلال قراءتي لبعض مدونات الشاعر وخاصة في غرض الرثاء، تكونت في نفسي تساؤلات حركت روح البحث، فقد أحببت غرض الرثاء لما أجد فيه من صدق العبارة، وخاصة عند الشاعر محل الدراسة الذي استطاع أن يوظف أبدع فنون الصناعة الشعرية في قصائده.
وفي ديوان الشاعر الموسوم بـ "هي أمي" وجدت بغيتي من خلال دراسة ديوان كامل في غرض الرثاء، أتتبع فيه الإيقاع من خلال قصائده التي تشكلت جميعها وفق غرض الرثاء، فالديوان جاءت كل قصائده في رثاء والدة الشاعر، ولذا وقع اختياري على هذا الموضوع؛ كي أتناول فيه موضوع الإيقاع الخارجي في مرثيات الشاعر العشماوي؛ وذلك لما للشاعر من مكانة رفيعة في مجالات الشعر العربي، وكذلك الدراسات الأدبية والنقدية.
وعلى الرغم من هذه المكانة التي يحتلها الشاعر وكذلك غرض الرثاء، إلا أنني لم أعثر على دراسة تناولت مرثيات الشاعر العشماوي بصفة خاصة، إذ جاءت أغلب الدراسات لتناقش موضوعات أخرى لم يكن للإيقاع الخارجي في غرض الرثاء نصيب منها.
وتكمن أهمية البحث في بيان أثر الإيقاع الخارجي في قصيدة الرثاء عند شاعر عربي معاصر، وجاءت الدراسة لتجيب عن سؤال فحواه: هل لقصيدة الرثاء بحر محدد تنتظم خلاله، وأوزان معينة لا تنفك عنها لتؤدي غرضها المنشود؟ وقد نتج عن هذا السؤال تساؤلات أخرى: ما هو الإيقاع؟ وما قيمته الفنية؟ وهل لإيقاع معين أثر في القصيدة؟
ويهدف البحث إلى:
- الكشف عن أثر الإيقاع في القصيدة العربية.
- أثر البحر الشعري في قصيدة الرثاء.
وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى مقدمة تحدثت فيها عن مشكلة البحث وأهدافه، وتمهيد عرفت فيه بالإيقاع، ثم عرفت بالشاعر، وتلا ذلك مبحثان هي: المبحث الأول: قراءة في بحور قصائد الديوان، المبحث الثاني: دراسة الإيقاع الخارجي في الديوان.
الدراسات السابقة
بعد بحث واستطلاع لم أجد من تناول الإيقاع في مراثي الشاعر عبد الرحمن العشماوي بطريقة خاصة، ولكني وجدت من تناول الإيقاع في مراثي شعراء آخرين، أو تناول الإيقاع بصفة عامة، ومن ذلك:
- شعرية الإيقاع الداخلي في مراثي هاشم الكعبي لمحمد جواد بورعابد، حيث درس المؤلف الجانب الإيقاعي للألفاظ المتقابلة ودلالتها في نص الشاعر، وهي: التكرار، والجناس، والترصيع، والتصدير. وعليه نهج الباحث أسلوبا وصفيا تحليليا ليدرس النصوص المختارة في ظل الإيقاع الداخلي.
- الإيقاع في شعر الرثاء عند الشريف الرضي لعادل حماد القاسمي البلوي، وقد تناول بحثه الإيقاع في شعر الشريف الرضي من خلال قصائده الثلاثة التي رثى بها صديقه أبا إسحاق الصابئ، حيث ناقش الإيقاع الداخلي (الصوتي)، من ناحية الأصوات المجهورة، ثم الانفجارية، ثم أصوات اللين، ثم الأصوات المهموسة، ثم الاحتكاكية ...، إضافة إلى الإيقاع الخارجي الذي تناول في الوزن والقافية.
ويختلف هذا البحث عن الدراستين السابقتين في كونه مختص بشاعر معاصر من خلال ديوان كامل خاص بالرثاء، وفي موضوع محدد هو موضوع الأم، وهذا ما يمكنه من الاستقصاء بطريقة أكثر شمولا ودقة وتركيزا، فهو يدرس أنواع البحور المستعملة في مرثيات الشاعر، وأثر استعمال تلك البحور في بوح الشاعر بهذه القصائد.
وقد اعتمد البحث دراسة القصائد التي نظمت على البحور الخليلية دراسة وصفية، وهي جميع قصائد الديوان عدا القصيدة الأولى منه " يا دفق القلم الباكي" والتي جاءت على بحر التفعيلة.
تمهيد
يمتاز الشعر عن غيره من فنون الأدب بموسيقاه التي تأتي ضمن نمط ثابت وإطار محدد لا تحيد عنه، " فلا يوجد شعر بدون موسيقى يتجلى فيها جوهره ووجوده الزاخر بالنغم، موسيقى تؤثر في أعصاب السامعين ومشاعرهم بقواها الخفية التي تشبه قوى السحر، قوى تنشر في نفوسهم موجات الانفعال يحسون بتناغمهم معها، وكأنما تعيد فيهم نسقا قد اضطرب واختل نظامه".
وعلى الرغم من تشابه كبير نجده بين الشعر وفنون الأدب الأخرى، إلا أن الشعر يظل منفردا بموسيقاه، فهو يلتزم منهجا واضحا يعرف به في قديم الشعر وحديثه، إذ لم يكن القدماء من علماء العربية" يرون في الشعر أمرا جديدا يميزه عن النثر إلا ما يشتمل عليه من الأوزان والقوافي"، وهو ما يعرف بالإيقاع.
والإيقاع في المعجم العربي هو" من إيقاع اللحن والغناء وهو أن يوقع الألحان ويبنيها، وسمى الخليل - رحمه الله- كتابا من كتبه في ذلك المعنى كتاب الإيقاع"، وعرفه بعضهم بأنه" حركات متساوية الأدوار لها عودات متوالية".
كان الإيقاع ولا يزال علامة فارقة بين الشعر والكلام المنثور، فهو الأداة التي يستطيع من خلالها الشاعر أن ينظم مواقفه الحياتية وتجلياته الروحية بطريقة مخصوصة؛ عن طريق ما يقوم عليه الشعر من وزن وقافية. ولعل ابن طباطبا هو أول من استعمل هذا المصطلح في كتابه عيار الشعر عندما قال:" وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة وزن المعنى وعذوبة اللفظ فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر تم قبوله له، واشتماله عليه، وإن نقص جزء من أجزائه التي يكمل بها - وهي اعتدال الوزن، وصواب المعنى، وحسن الألفاظ - كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه".
وقد ذهب النقاد قديما وحديثا إلى أن العلاقة بين الشعر والوزن تلازمية لا تنفك، فإنه من المعلوم أن" الأوزان قواعد الألحان، والأشعار معايير الأوتار لا محالة"، وكذلك فإن" الوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية". وذهب البعض إلى أن الوزن سبب رئيس في تفضيل الشعر على غيره، فإن" مما يفضل به الشعر أن الألحان -التي هي أهنى اللذات- إذا سمعها ذوو القرائح الصافية، والأنفس اللطيفة، لا تتهيأ صنعتها إلا على كل منظوم من الشعر؛ فهو لها بمنزلة المادة القابلة لصورها الشريفة"، والمنظوم هو قول الشاعر على وزن من أوزان بحور الشعر.
لقد ارتبط الإيقاع عند العرب القدماء بالموسيقى وذلك منذ العصر الجاهلي، حيث كان يعرف الأعشى الكبير ميمون بن قيس بلقب صناجة العرب، لأنه كان يضرب على آلة موسيقية اسمها الصنج؛ وذلك حتى يستقيم وزن البيت، وتنتظم أبيات القصيدة بعد ذلك. وقد ذكرها في شعره حين قال:
ومُسْتَجيبٍ تَخَالُ الصَّنْجَ يَسْمَعُهُ إذا تُرَجِّـعُ فيـهِ القَيْنَةُ الفُضُلُ
كما أن هناك بعدا آخر للإيقاع يتمثل في كلمات القصيدة وتناغم حروفها وحركاتها، وهذا إيقاع آخر داخل أجواء القصيدة بين كلماتها ومقاطعها. ومن هنا يمكن القول: إن للإيقاع الشعري مفهومان: يقوم الأول على انتظام الوزن والحركات في قوالب مخصوصة تميزه عن النثر بصورة عامة، وهذا ما يسمى الإيقاع الخارجي وهو محل دراستنا. ويقوم الثاني على ما يمثل الجرس الموسيقي المتناغم والمتمثل في ألوان البديع المختلفة، وكذلك جرس الكلمات المتناغم ببديعه، وجناسه، وطباقه، ومحسناته اللفظية.
إن أول من دقق النظر في القصيدة العربية من حيث أنماطها وموسيقاها هو الخليل بن أحمد، فقد كشف الستار عن كنه هذا العلم - علم العروض - حيث جمع القصائد المتشابهة في موسيقاها تحت وزن محدد أسماه بحرا؛ " لأنه يوزن به ما لا يتناهى من الشعر، فأشبه البحر الذي لا يتناهى بما يغترف منه". ويحتل علم العروض مكانة مرموقة بين علوم الأدب؛ فبه تعرف صحة الشعر واستقامة وزنه، وبه يمتاز الشعر الصحيح عن السقيم، وقد فطن القدماء لهذه النظرة فعدوا العروض" ميزان الشعر، بها يعرف صحيحه من مكسوره"، وقد جعل العروضيون السواكن والمتحركات عناصرا للوزن، " ثم افترضوا وحدات أكبر هي الأسباب الخفيفة والثقيلة والأوتاد المجموعة والأوتاد المفروقة والفواصل الصغرى والكبرى، تليها التفاعيل ثم الأشطر والأبيات"، وبذلك يكون علم العروض" هو الدليل، وهو الحكم الذي له القول الفصل في صحة هذا الوزن أو ذاك، مهما تشابهت الأوزان، أو دقت الحالات".
التعريف بالشاعر
الشاعر الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي، شاعر عربي مسلم، من المملكة العربية السعودية، ولد في قرية عــراء، في منطقة الباحة بجنوب المملكة، عام 1956م، وتلقى دراسته الابتدائية هناك، وعندما أنهى دراسته الثانوية التحق بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ليتخرج فيها 1397 للهجرة، ثم حصل على شهادة الماجستير عام 1403 للهجرة، وبعدها حصل على شهادة الدكتوراه من قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي عام 1409 للهجرة.
تدرج العشماوي في وظائف التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حتى أصبح أستاذا مساعدا للنقد الحديث في كلية اللغة العربية في هذه الجامعة، وعمل محاضرا في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي حتى تقاعد.
الشاعر عبد الرحمن العشماوي، شاعر إسلامي كبير، خرج بالشعر الإسلامي من الظلام إلى النور، وأعاد إليه بريقه ورونقه. وهو شاعر نشيط وكاتب متفتح الذهن دائما يسخر قلمه وقصائده في خدمة الإسلام والمسلمين، وفي شحذ الهمم والتذكير بعزة الإسلام وقوة المسلمين، كما أن العشماوي كاتب نشيط وله مقالاته الدائمة في الصحف السعودية.
كما أن للعشماوي مشاركات في الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية، وله حضوره الإعلامي من خلال برامجه الإذاعية والتلفازية مثل (من ذاكرة التاريخ الإسلامي، قراءة من كتاب، وآفاق تربوية) ومن آخر برامجه (همس المشاعر في قناة المجد الفضائية)، بالإضافة إلى دواوينه وقصائده ومقالاته التي تنشر بشكل دائم في الصحافة وعلى شبكة الإنترنت.
كما أن الشاعر عبد الرحمن العشماوي أديب ومؤلف، وله مجموعة من الكتب مثل: كتاب الاتجاه الإسلامي في آثار علي أحمد باكثير، وكذلك له كتاب من ذاكرة التاريخ الإسلامي، بلادنا والتميز وإسلامية الأدب، كما أنه له مجموعة من الدراسات مثل: دراسة (إسلامية الأدب، لماذا وكيف) .
وللشاعر دواوين كثيرة مثل: "إلى أمتي 1400هـ، صراع مع النفس 1402هـ، قصائد إلى لبنان 1402هـ، حوار فوق شراع الزمن 1402هـ، بائعة الريحان 1405هـ، مأساة التاريخ 1405هـ، نقوش على واجهة القرن الخامس عشر 1407هـ، إلى حواء 1408هـ، عندما يعزف الرصاص 1409هـ، شموخ في زمن الانكسار 1410هـ، يا أمة الإسلام 1412هـ، مشاهد من يوم القيامة 1412هـ، ورقة من مذكرات مدمن تائب 1412هـ، من القدس إلى سراييفو 1413هـ، عندما تشرق الشمس 1413هـ".
المبحث الأول: قراءة في بحور قصائد الديوان
ذهب جماعة من النقاد العرب القدامى إلى الربط بين البحر الشعري ومعاني القصيدة التي نظمت فيه، يقول ابن طباطبا في هذا الشأن:" فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي سلس له القول عليه".
وتبعه في ذلك أبو هلال العسكري حين قال:" وإذا أردت أن تعمل شعرا فأحضر المعاني التي تريد نظمها في فكرك، وأخطرها على قلبك، واطلب لها وزنا يتأتى فيه إيرادها وقافية يحتملها؛ فمن المعاني ما تتمكن من نظمه في قافية ولا تتمكن منه في أخرى".
وذهب إلى مثل ذلك حازم القرطاجني في قوله:" ولما كانت أغراض الشعر شتى وكان منها ما يقصد به الجد والرصانة وما يقصد به الهزل والرشاقة، ومنها ما يقصد به البهاء والتفخيم وما يقصد به الصغار والتحقير، وجب أن تحاكى تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان ويخيلها للنفوس. فإذا قصد الشاعر الفخر حاكى غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة، وإذا قصد في موضع قصدا هزليا أو استخفافيا وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء، وكذلك في كل مقصد".
وقد وافقهم من المعاصرين عبد الله الطيب حين قال:" فاختلاف أوزان البحور نفسه، معناه أن أغراضا مختلفة دعت إلى ذلك، وإلا فقد كان أغنى بحر واحد، ووزن واحد".
وبعد بحث واستقراء لقصائد الديوان وجد الباحث أن مراثي الشاعر في أمه من خلال هذا الديوان لم تخرج عن ثلاثة بحور، وهي: الخفيف والسريع والكامل. ولعلنا نأتي الآن إلى قصائد الديوان لندرس بحورها وأوزانها وتفعيلاتها ومدى مناسبة بحرها مع غرضها الذي أنشئت فيه.
القصيدة الأولى: هي أمي، (1426هـ).
نظم الشاعر هذه القصيدة على بحر الخفيف مستدعيا فيها ألم الفقد ومرارة الفراق، فقد خاطب بها أولئك الذين يعاتبونه على بكائه، وذكر لهم أن هذا البكاء إنما هو رمز وفاء تجاه هذه الأم العظيمة، ويقول في ذلك مستهلا قصيدته:
لا تقولوا: بكيت أقسى بكاء |
| فبكـاء المحـب رمــز الوفاء |
لا تقو لو بكي تأق سل بكا ئي |
| فبكا أل محب برم زل وفا ئي |
/o//o/o //o//o /o//o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
ثم يعود متسائلا: كيف لا يبكي المحب الصادق الذي ذاق مرارة الفراق بعد طيب اللقاء، كيف وهي أمه التي بفقدها قد فقد عمره وحياته الراضية الصافية. وفي ذلك يقول:
كيـف لا يـذرف الدمـوع محب |
| ذاق مـر الفــراق بعد اللقاء |
كي فلا يذ رفد دمو عمحب بن |
| ذا قمر رل فرا قبع دل لقا ئي |
/o//o/o //o//o ///o/o |
| /o//o/o //o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
هي أمـي، في فقـدها فقـد عمر |
| وحيــاة مـن الرضـا والصفاء |
هيأم مي في فق دها فق دعم رن |
| وحيا تن منر رضا وص صفا ئي |
///o/o /o/o//o /o//o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن مستفعلن فاعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
ثم يعرج الشاعر بعد ذلك في تعداد بعض الفضائل التي كان يعيش في ظلها مع أمه، وذلك لما للشاعر من نزعة دينية تمكنه من استحضار جوانب البر والوفاء. ويقول في ذلك:
هي كنز الدعاء، يا لهف نفسي |
| وأسـاها لفقـد كنـز الدعاء |
هيكن زد دعا إيا له فنف سي |
| وأسا ها لفق دكن زد دعا ئي |
///o/o //o//o /o//o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
هي نبع الحنان والعطف من لي |
| بعـد أمـي برشـفة وارتـواء |
هينب عل حنا نول عط فمن لي |
| بع دأم مي برش فتن ور توا ئي |
///o/o //o//o /o//o/o |
| /o//o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
هي بـرد الحنـان في قيظ حزني |
| وهـي دفء الحنان وقت الشتاء |
هيبر دل حنا نفي قي ظحز ني |
| وه يدف ءل حنا نوق تش شتا ئي |
///o /o //o//o /o//o/o |
| /o//o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
القصيدة الثانية: قراءة في كتاب الحنين.
عنون الشاعر لهذه القصيدة بأنها وقفة أمام ذكرى أمه الحبيبة في منطقة الباحة، ونظمها على بحر الخفيف، فخاطب الباحة وهي المنطقة التي نشأ فيها بأن تخبره عن سر عذابها وحزنها وآلامها؟ ثم يتساءل بعد ذلك عن دموعها التي أيقظت حزنه واكتئابه بعد أن حاول مرارا أن يكتم أنينه وحسراته، يقول في ذلك:
باحـة الحب والصبـا والشباب |
| خبريني، مـا سـر هذا العذاب؟ |
با حتل حب بوص صبا وش شبا بي |
| خب بري ني ما سر رها ذل عذا بي |
/o//o/o //o//o /o//o/o |
| /o//o/o /o/o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن |
مـا لـعينيك تذرفـان دموعا |
| كدموعي، وتوقظــان اكتئابي؟! |
ما لعي ني كتذ رفا ندمو عن |
| كدمو عي وتو قظا نك تئا بي |
/o//o/o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
ثم يصف الشاعر تجلده وصبره على هذا المصاب العظيم الذي ألم به، بعبارات تتفاوت قوة وضعفا في بيان صفة هذا التجلد والاصطبار، وكيف هي مقاومته في كتمان ألمه، وفي المقابل إظهار سعادته حين لقاء قرابته وأصدقائه. وذلك حينما يقول:
أنا – والله – قد كتمت أنيني |
| وعـلى حســرتي طويت ثيــابي |
أنول لا هقد كتم تأني ني |
| وعلى حس رتي طوي تثيا بي |
///o /o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o ///o/o |
فعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فعلاتن |
وتظـاهـرت بالتـجلد حـتى |
| خلت أني سلــبت طبع الهضـاب |
وتظا هر تبت تجل لدحت تى |
| خل تأن ني سلب تطب عل هضا بي |
///o/o //o//o ///o/o |
| /o//o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
وتجمــلت بابتســامة ثغري |
| في لقــائي بالأهــل والأصحاب |
وتجم مل تبب تسا متثغ ري |
| في لقا ئي بل أه لول أص حا بي |
///o/o //o//o ///o/o |
| /o//o/o /o/o//o /o/o/o |
فعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعل تن |
في حنايــا الفـؤاد خبأت حزني |
| وحبسـت الدمــوع عن أهــدابي |
في حنا يل فؤا دخب بأ تحز ني |
| وحبس تد دمو ععن أه دا بي |
/o//o/o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o /o/o/o |
فاعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعل تن |
يبدأ الشاعر بعد ذلك في استدعاء بعض التساؤلات بطريقة متوالية توحي بانفعال داخل الشاعر تجاه هذه المنطقة التي نشأ فيها وعاش بها مراحل صباه وشبابه، فهو يسأل الربا والجبال والشعاب عن سر هذا الحزن الذي يكتنفها وتعيشه، ثم يعود بعد ذلك معاتبا الباحة: لم فرضت عليه مرحلة من التعب والإعياء بعد أن كانت سر سعادته وأنسه وصفو حياته. يقول في ذلك:
فلمـاذا أرى ملامــح جرحي |
| نقلتــها إلي خضـر الروابي؟ |
فلما ذا أرى ملا محجرحي |
| نقلت ها إلي يخض رر روا بي |
///o/o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعلاتن |
ولمــاذا أرى الجبــال قلاعا |
| من أنيــني مغمورة بالضباب؟ |
ولما ذا أرل جبا لقلا عن |
| من أني ني مغ مو رتن بض ضبا بي |
///o/o //o//o ///o/o |
| /o//o/o /o/o//o /o//o/o |
فعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن |
من روى للجبــال قصـة حزني |
| وأنيـني، ومـن روى للشعاب؟! |
من روى لل جبا لقص صتحز ني |
| وأني ني ومن روى لش شعا بي |
/o//o/o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعــــــــــلاتن |
باحة الحـب، كم أرحت فؤادي |
| فلمـاذا جنــحت للإتعاب؟! |
با حتل حب بكم أرح تفؤا دي |
| فلما ذا جنح تلل إت عا بي |
/o//o/o //o//o ///o/o |
| ///o/o //o//o /o/o/o |
فاعلاتن متفعلن فعلاتن |
| فعلاتن متفعلن فاعل تن |
كنت لي مسرحا لأنسي وصفوي |
| كيف أصبحت مسرحا لاغترابي؟! |
كن تلي مس رحن لأن سي وصف وي |
| كي فأص بح تمس رحن لغ ترا بي |
/o//o/o //o//o /o//o/o |
| /o//o/o //o//o /o//o/o |
فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
| فاعلاتن متفعلن فاعلاتن |
القصيدة الثالثة: عام مضى، الرياض(20/1/1427هـ).
بعد مضي عام على رحيل والدة الشاعر جاءت هذه القصيدة على بحر السريع لتحكي معاناة الشاعر خلال هذه السنة الفائتة، فقد بدأ الشاعر بحكاية رحيلها عن منزلها ونأيها عنه، ومدى الأسى الذي عاناه جراء هذا النأي وهذا الرحيل. يقول في ذلك:
عام مضى يا أمنا الغالية |
| وأنـت عـن منزلنا نائيه |
عا من مضى يا أم منل غا ليه |
| وأن تعن من زلنا نا ئيه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| //o//o /o///o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| مستفعلن مستفعلن فاعلن |
نأيت يا أماه نأيا، به |
| دارت طواحين الأسى القاسيه |
نأي تيا أم ما هنأ ين بهي |
| دا رت طوا حي نل أسل قا سيه |
//o//o /o/o//o /o//o |
| //o//o /o///o /o//o |
متفعلن مستفعلن فاعلن |
| متفعلن فاعلتن فاعلن |
ثم يبدأ الشاعر في تعداد وتفصيل هذه المعاناة التي عاشها، فهو طوال سنة كاملة لم ير فيها بسمة أمه الصافية الصادقة، ولم يجد تلك النظرات الحانية عليه حال آلامه ومعاناته من ظروف الحياة القاسية، وكذلك يحكي الشاعر أنه خلال عام كامل لم يستق من روح أمه الطاهرة رشفة حياة يحيا بها سعيدا بعيدا عن الآلام والمعاناة، فهو يشبه روح أمه هنا بالحياة التي يستمد منها قوته وطاقته لمواجهة الآلام والصعاب، وهي كذلك منبع السعادة والصفاء في مسيرته في هذه الحياة. يقول:
عـام مضـى، لم نسـق أرواحنا |
| من نبـع تلك البسـمة الصافيه |
عا من مضى لم نس قأر وا حنا |
| من نب عتل كل بس متص صا فيه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| /o/o//o /o/o//o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| مستفعلن مستفعلن فاعلن |
لـم نمســح الآلام في ظله |
| بنظــرات المقــلة الحــانيه |
لم نم سحل أا لا مفي ظل لهي |
| بنظ را تل مق لتل حا نيه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| ////o /o/o//o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| متعلن مستفعلن فاعلن |
عــام مضـى لم نرتشف رشفة |
| واحــدة من روحــك الغـاليه |
عا من مضى لم نر تشف رش فتن |
| وا حدتن من رو حكل غا ليه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| /o///o /o/o//o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| مستعلن مستفعلن فاعلن |
ثم يمضي الشاعر في تعداد آلامه ليصف البيت بأنه كالقبر موحش لأن أمه قد غادرته بلا رجعة، بينما القبر الموحش أصبح مكان الأمن على الرغم من وحشته لأن أمه قد سكنته، وهذا تصوير بديع جعل فيه الشاعر الأمان هو موضع وجود أمه، فأينما حلت والدت حل الأمن في قلبه وبيته وحياته. ثم يعرج بعد ذلك إلى صورة ثانية عن القناديل التي في أصلها الإضاءة والنور حين إسراجها قد أصبحت ذاوية كالنبات الذابل الذي لا حياة فيه. يصف الشاعر هذا المشهد بقوله:
عـام مضـى والقبر مستأمن |
| والبيـت في وحشته الثاويه |
عا من مضى ول قب رمس تأ منن |
| ول بي تفي وح شتهث ثا ويه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| /o/o//o /o///o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| مستفعلن فاعلتن فاعلن |
كل القناديل التي أسرجت |
| من بعـد أمي أصبحت ذاويه |
كل لل قنا دي لل لتي أس رجت |
| من بع دأم مي أص بحت ذا ويه |
/o/o//o /o/o//o /o//o |
| /o/o//o /o/o//o /o//o |
مستفعلن مستفعلن فاعلن |
| مستفعلن مستفعلن فاعلن |
القصيدة الرابعة: يا أم وجداني، الرياض – الواحة (9/2/1426هـ).
جاءت هذه القصيدة على بحر الكامل، والشاعر يحكي وقت هذه القصيدة، حيث كانت بعد نزوله في مطار الرياض بعد أول سفر له بعد فراق والدته الحبيبة لهذه الدنيا، فقد اعتاد الشاعر أن يتصل بأمه مباشرة عند عودته من رحلاته خارج الرياض، ولكنه يعاتب قلبه هذه المرة عندما رجع ولم يتصل بها كعادته؛ ليخبرها بعودته وقدومه. وفي ذلك يقول:
أماه، جئت إلى الريـاض من السفر |
| لم تسمعي – أماه – عن هذا الخبر |
أم ما هجئ تإلر ريا ضمنس سفر |
| لم تس معي أم ما هعن ها ذل خبر |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o /o/o//o /o/o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن مستفعلن مستفعلن |
يا ويح قلبي، ما اتصلت كعادتي |
| لأقول: يا أماه ابنك قد حضر |
يا وي حقل بي مت تصل تكعا دتي |
| لأقو ليا أم ما هإب نكقد حضر |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| ///o//o /o/o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| متفاعلن مستفعلن متفاعلن |
يبدأ الشاعر بعد ذلك في سرد العديد من المتغيرات التي أشكلت عليه، فقد تشكلت الصور في عينيه منذ وصوله الرياض على هيئة غير مسبوقة في ناظريه، وكأنها مشاهد جديدة لم تمر عليه قبل ذلك، فهو يرى أضواء مدينة الرياض التي يعيش فيها وكأنها باهتة مؤذية لنظره، بل إن شوارعها الفسيحة والتي اعتاد أن يمر من خلالها استحالت ضيقة مؤذية بحفرها الكالحة، وكذلك النخيل الذي يمر عليه في طريق عودته لمنزله من المطار صار واجما منكسرا، فالشاعر هنا يشبه النخل بأنه كالإنسان الواجم المنكسر الذي يشاركه الأسى في فراق والدته التي عاد إلى الرياض ولم يجدها أمامه. يقول:
لما وصلت إلى الرياض تشكلت |
| في ناظري، بغير صورتها الصور |
لم ما وصل تإلر ريا ضتشك كلت |
| في نا ظري يبغي رصو رتهص صور |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o ///o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
ورأيت أضواء الرياض، كأنها |
| طليت بلون باهت يؤذي النظر |
ورأي تأض وا أر ريا ضكأن نها |
| طليت بلو نن با هتن يؤ ذن نظر |
///o//o /o/o//o ///o//o |
| ///o//o /o/o//o /o/o//o |
متفاعلن مستفعلن متفاعلن |
| متفاعلن مستفعلن مستفعلن |
حتى شوارعها الفسيحة، خلتها |
| ضاقت أمامي فهي كالحة الحفر |
حت تى شوا رعهل فسي حتخل تها |
| ضا قت أما مي فه يكا لحتل حفر |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o /o/o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن مستفعلن متفاعلن |
حتى النخيل، رأته عيني واجما |
| يبكي معي لما رأى دمعي انهمر |
حت تن نخي لرأت هعي ني وا جمن |
| يب كي معي لم ما رأى دم عن همر |
/o/o//o ///o//o /o/o//o |
| /o/o//o /o/o//o /o/o//o |
مستفعلن متفاعلن مستفعلن |
| مستفعلن مستفعلن مستفعلن |
ثم يتنقل الشاعر بعد ذلك بين ماضيه وحاضره، فيصف شعوره القديم عندما كان يعود من خارج الرياض فيسرع نحو منزله كي يلقى أمه فيشبع منها سمعه وبصره، أما اليوم فهو بطيء المسير نحو منزله واهن الخطوة قد ظهرت ملامح حزنه للناظرين فلا تكاد تخفى عن أحد.
قد كنت أسرع نحو منزلنا لكي |
| ألقـاك، أشبع منك سمعي والبصر |
قد كن تأس رعنح ومن زلنا لكي |
| أل قا كأش بعمن كسم عي ول بصر |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o /o/o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن مستفعلن متفاعلن |
واليوم، أبطئ في مسـيري واهنا |
| وجميـع ما أخفيت من حزني ظهر |
ول يو مأب طئفي مسي ري وا هنن |
| وجمي عما أخ في تمن حز ني ظهر |
/o/o//o ///o//o /o/o//o |
| ///o//o /o/o//o /o/o//o |
مستفعلن متفاعلن مستفعلن |
| متفاعلن مستفعلن مستفعلن |
القصيدة الخامسة: أواه من هذا الفراغ، الرياض – الازدهار (1/2/1426هـ).
عنون الشاعر لهذه القصيدة بأنها دموع مسكوبة على فراق والدته الحبيبة، والقصيدة جاءت على بحر الكامل، ومنذ بدايتها يظهر فيها أثر الوازع الديني على الشاعر، فهو يظهر الرضا بأقدار الله بل يستطيب ذلك في جنب الله ولو كان عذابا على نفسه، وهنا يشبه الشاعر رحيل هذه النفس الطيبة وكأنها عروس تزف إلى الملأ الأعلى في مشهد يشد الأنفاس ويتطلع إلى درجة هذه الإنسانة الغالية في نفس الشاعر.
ثم يؤكد هذا المعنى الذي ذهب إليه من الرضا بالقضاء والقدر موضحا بأن بكاءه لم يكن بكاء يأس وقنوط من رحمة الله الواسعة، إنما هو ألم الفراق ولوعته التي هجمت عليه بسيوف والحراب. وفي ذلك يقول:
ترضى النفوس وتستطيب عذابها |
| لما تزف إلى الإله ركابها |
تر ضن نفو سوتس تطي بعذا بها |
| لم ما تزف فإلل إلا هركا بها |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o ///o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
أنا مـا بكيت على الحبيبة يائسا |
| من رحمـة فتح المهيمن بابها |
أنما بكي تعلل حبي بتيا ئسن |
| من رح متن فتحل مهي منبا بها |
///o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o ///o//o ///o//o |
متفاعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
لكنـه ألم الفــراق، ولوعـة |
| سلـت علي سيوفهـا وحرابها |
لا كن نهو ألمل فرا قولو عتن |
| سل لت علي يسيو فها وحرا بها |
/o/o//o ///o//o ///o//o |
| /o/o//o ///o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
| مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
ثم يمضي الشاعر بعد ذلك يصف لحظات الرحيل متذكرا نعي الناعي بموت أمه، وكأنما يرى مغيب الشمس عن هذه الدنيا إلى الأبد، وكيف أن الأمر صار حقيقة مرة ثقيلة على نفسه كالجبل يلقي عليه صخوره. ثم تأكدت في نفسه هذه الحقيقة حين رأى أمه مغمضة عينيها إلى الأبد، عند ذلك وفي تلك اللحظة ناداها كي يتأكد من هذه الفكرة ويؤكد مشهد الرحيل الذي يعيشه الشاعر لكنه لم يسمع جوابا لنداءاته المتكررة، بل عاد صوته متكسرا بالنشيج والدموع. يقول في ذلك:
لمـا نعـى الناعي حبيبة خــاطري |
| ورأيت من شمس الحنـان غيـابها |
لم ما نعن نا عي حبي بتخا طري |
| ورأي تمن شم سل حنا نغيا بها |
/o/o//o /o/o//o ///o//o |
| ///o//o /o/o//o ///o//o |
مستفعلن مستفعلن متفاعلن |
| متفاعلن مستفعلن متفاعلن |
ورأيت فقــد الأم صـار حقيـقة |
| ألقـت علي صخـورها وهضابها |
ورأي تفق دل أم مصا رحقي قتن |
| أل قت علي يصخو رها وهضا بها |
///o//o /o/o//o ///o//o |
| /o/o//o ///o//o ///o//o |
متفاعلن مستفعلن متفاعلن |
| مستفعلن متفاعلن متفاعلن |
وعلـمت أن حبيـبتي، وأنيســتي |
| وأمـيرتي، قد أغمضـت أهدابها |
وعلم تأن نحبي بتي وأني ستي |
| وأمي رتي قد أغ مضت أهـ دا بها |
///o//o ///o//o ///o//o |
| ///o//o /o/o//o /o/o//o |
متفاعلن متفاعلن متفاعلن |
| متفاعلن مستفعلن مستفعلن |
نـاديتها، فتكسـر الصـوت الذي |
| نـادى، ولم ترسـل إلي خطابهـا |
نا دي تها فتكس سرص صو تل لذي |
| نا دى ولم تر سل إلي يخطا بها |
/o/o//o ///o//o /o/o//o |
| /o/o//o /o/o//o ///o//o |
مستفعلن متفاعلن مستفعلن |
| مستفعلن مستفعلن متفاعلن |
القصيدة السادسة: وقفة أمام حبيبتي، الرياض(5/12/1425هـ).
يبدأ الشاعر قصيدته التي جاءت على بحر الكامل بحكمة تدل على فهمه العميق لمآلات الرحيل عن هذه الدنيا وما يكتنفها من صور تدعو للدهشة والاستغراب، فما تراه عن قرب يكون أبعد شيء عنك في الحقيقة، فقد تزور حبيبا لك في قبره في لحظة يكون أقرب جسد لك ولكنه أنأى شيء عنك حقيقة لتعذر الوصول إليه، فالشاعر هنا يصف هذا المشهد بقوله:
أدنى الأمــور إليك أبعدها |
| لما يـعز عليـك مقصدها |
أد نل أمو رإلي كأب عدها |
| لم ما يعز زعلي كمق صدها |
/o/o//o ///o//o ///o |
| /o/o//o ///o//o ///o |
مستفعلن متفاعلن فعلن |
| مستفعلن متفاعلن فعلن |
يستمر الشاعر في البيت التالي في رصد هذه التصورات عن الدنيا، فيقول بأن هذه الحياة الدنيا لها مشاهد وأحوال ومواقف متعددة، وهي مرصودة من الريح، ولعل الشاعر يستعمل مفردة الريح هنا بدلا عن الرياح لاختلاف معنيهما، فالرياح تأتي بالخير أما الريح فتأتي بالعذاب، فالشاعر هنا يستعمل قاصدا لفظة الريح لينقل مشهد العذابات المتتالية على نفسه في هذه الدنيا.
ثم يعود الشاعر بعد ذلك ليؤكد هذا المعنى في البيت التالي حين يخاطب نفسه بأن يترك عنه الأحلام التي يطرزها بجميل عباراته وأشعاره؛ لأن أنينه قد صار هو القافية التي ينسج عليها أشعاره وقصيده. يقول في ذلك:
وحيـاتك الدنيا، لها صور |
| شتى، عيون الريح ترصـدها |
وحيا تكد دن يا لها صورن |
| شت تى عيو نر ري حتر صدها |
///o//o /o/o//o ///o |
| /o/o//o /o/o//o ///o |
متفاعلن مستفعلن فعلن |
| مستفعلن مستفعلن فعلن |
دع عنك أحـلاما تطرزها |
| وبديـع أشعـــار ترددها |
دع عن كأح لا من تطر رزها |
| وبدي عأش عا رن ترد ددها |
/o/o//o /o/o//o ///o |
| ///o//o /o/o//o ///o |
مستفعلن مستفعلن فعلن |
| متفاعلن مستفعلن فعلن |
فأنين قلبك صــار قافية |
| مشبــوبة يبكيك جيـدها |
فأني نقل بكصا رقا فيتن |
| مش بو بتن يب كي كجي يدها |
///o//o ///o//o ///o |
| /o/o//o /o/o//o ///o |
متفاعلن متفاعلن فعلن |
| مستفعلن مستفعلن فعلن |
يعود الشاعر بعد ذلك مبررا موقفه الجديد في لغته الشعرية التي استحالت نارا من الحزن الذي يوقدها فلا تكاد تنطفئ، ويصف هذه النار بأنها شديدة لافحة، ولعل في هذا تناص مع قوله تعالى:" تلفح وجوههم النار"، مما يعطي دلالة على مرجعية الشاعر الدينية واستعمالاتها في لغته الشعرية، ثم يتساءل متعجبا بعد ذلك عن هذه النار: من الذي سيخمدها، يقول في ذلك:
لا تعجبوا إن أصبحـت لغتي |
| نـارا، فإن الحــزن يوقـدها |
لا تع جبو إن أص بحت لغتي |
| نا رن فإن نل حز نيو قدها |
/o/o//o /o/o//o ///o |
| /o/o//o /o/o//o ///o |
مستفعلن مستفعلن فعلن |
| مستفعلن مستفعلن فعلن |
نــار من الآلام لافـحـة |
| يا ليت شعري، من سيخمدها؟! |
نا رن منل ءا لا ملا فحتن |
| يا لي تشع ري من سيخ مدها |
/o/o//o /o/o//o ///o |
| /o/o//o /o/o//o ///o |
مستفعلن مستفعلن فعلن |
| مستفعلن مستفعلن فعلن |
المبحث الثاني: دراسة الإيقاع الخارجي في الديوان.
يكون الإيقاع الخارجي للقصيدة عمودها الفقري الذي تقوم عليه، فالإيقاع الخارجي يمثل البحر الذي نظمت فيه القصيدة، وكذلك يمثل القافية المستعملة في القصيدة. ولعلنا من خلال هذا المبحث نتطرق إلى البحور المستعملة في الديوان، والقوافي التي انتهت بها القصائد.
المتأمل لقصائد الديوان التي نظمت على بحور الخليل يجد أنها لم تخرج عن ثلاثة بحور، فقد جاءت القصيدتان الأولى والثانية على بحر الخفيف، وجاءت الثالثة على بحر السريع، وجاءت الرابعة والخامسة والسادسة على بحر الكامل.
فالمتأمل للقصيدة الأولى يرى بأنها جاءت على بحر الخفيف:
لا تقولوا: بكيت أقسـى بكاء
|
| فبكـاء المحـب رمـز الوفاء |
وهو بحر خفيف في ذوقه وتقطيعه، فهو من أجمل بحور الشعر وأكثرها خفة ورقة، كما أنه من أكثر البحور موسيقية، لذلك أكثر الشعراء من النظم على بحر الخفيف، هذا فضلا عن كونه ملائما للتعبير عن مشاعر الفرح والحزن والرثاء والتصوير النفسي للانفعالات والخلجات، وهو بحر ثنائي التفعيلة، يتألف من ست تفعيلات، ويرتكز بناؤه على تفعيلتي (فاعلاتن) و(مستفعلن).
وكذلك جاءت القصيدة الثانية على البحر ذاته:
باحة الحب والصبا والشباب |
| خبريني، ما سر هذا العذاب؟ |
وجاءت القصيدة الثالثة على بحر السريع:
عام مضى يا أمنا الغالية |
| وأنت عن منزلنا نائيه |
وسمي البحر السريع بذلك لسرعة النطق به، ويستعمل هذا البحر تاما ومشطورا ولا يستعمل مجزوءا؛ لأن بحر الرجز يشاركه في الحشو، وتجدر الإشارة إلى أن هذا البحر قد قل استعماله في الشعر الجاهلي والعصور التالية له، ولكن نظم عليه بعض شعراء العصر العباسي خاصة في موضوع الرثاء، والموضوعات التي لها صلة بالعاطفة بشكل عام.
وانفرد بحر الكامل بالقصائد الثلاث الأخيرة التي جاءت مطالعها على التوالي:
القصيدة الرابعة:
أماه، جئت إلى الرياض من السفر |
| لم تسمعي – أماه – عن هذا الخبر |
القصيدة الخامسة:
ترضى النفوس وتستطيب عذابها |
| لمــا تزف إلى الإلـه ركـابها |
القصيدة السادسة:
أدنى الأمور إليك أبعدها |
| لما يعـز عليك مقصدها |
سمى الخليل بن أحمد الفراهيدي بحر الكامل بهذا الاسم؛ لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع في غيره من البحور الشعرية، وهذا لكمال حركاته. وهو من البحور المستعملة كثيرا في الشعر القديم والحديث.
والمتأمل للبحور التي نظمت عليها قصائد الديوان يرى بأن الديوان لم ينفرد ببحر معين خاص بالرثاء وإنما جاء متنوع البحور، وربما لو زادت قصائد الديوان لزاد عدد البحور المستعملة كذلك.
لذلك، نحن لا نستطيع أن نسلم بفكرة ارتباط الوزن بالعاطفة أو الموضوع ارتباطا كليا، فقد خاض الشعراء تجاربهم مع الرثاء من خلال بحور مختلفة، فالحزن" هو المحور الوجداني الذي يرتكز عليه شعر الرثاء"، وجاء تعدد بحور الشعر المستعملة في الديوان ليدل على عدم ارتباط الوزن بعاطفة معينة، فالشعر" فيض تلقائي لمشاعر قوية، والشاعر عندما تجيش نفسه بالشعر، لا يضع في تقديره بحرا أو قافية، وإنما يأتي هذا طواعية ليلائم أحاسيسه وانفعالاته بحكم أن الوزن والقافية جزء لا يتجزأ من العمل الشعري، وبحكم أن الصوت الموسيقي ليس لحنا خارجيا بقدر ما هو عضو متفاعل وعنصر ملتحم مع بقية عناصر النص الشعري".
أما القافية فتأتي في مفهومها اللغوي من تقفاه: تبعه. الليث: القفو مصدر قولك قفا يقفو قفوا وقفوا، وهو أن يتبع الشيء. ابن الأعرابي: يقال قفوت فلانا تبعت أثره، وفي نوادر الأعراب: قفا أثره أي: تبعه واقتفى أثره وتقفاه: اتبعه. وقفيت على أثره بفلان أي أبعته إياه. ابن سيده: وقفيته غيري وبغيري أتبعته إياه.
وتأتي في مفهومها الاصطلاحي بأنها سميت قافية" لكونها في آخر البيت مأخوذة من قولك: قفوت فلانا، إذا تبعته". وهي من الأسماء التي نقلت من العموم إلى الخصوص" فإذا أريد بها الشعر لم يقع عليها هذا الاسم حتى تقارن كلاما موزونا".
وتكمن مهمة القافية في أنها" جزء من الوزن الشعري للبيت وهي مع ذلك تحدد نهاية البيت إيقاعيا ولهذا فهي عامل أساس في تقسيم القصيدة إلى أبيات".
وتنقسم القافية من حيث حركة الروي قسمين:
- قافية مطلقة: وهي ما كان رويها متحركا.
- قافية مقيدة: وهي ما كان رويها ساكنا.
وقد جاءت قصائد الديوان على كلا النوعين من القوافي، فعندما نتأمل القصيدة الأولى "هي أمي" نجدها جاءت على قافية مطلقة توحي بامتداد الألم ومشاعر الحزن، ومثال ذلك قول الشاعر:
لا تلوموا توجعي وأنيني |
| فلقد أشعل اللهيب عنائي |
فالشاعر هنا يعاتب من يعاتبه في توجعه وكثرة أنينه ويقول له: لا تعتب علي فإن نارا بصدري تذكي لهيبا يطول به عنائي، ونلحظ هنا أهمية القافية المطلقة حين جاءت معبرة عن امتداد العناء في نفس الشاعر.
وفي موضع آخر يعاتب الشاعر كذلك من يلومه في بكائه، ويقول: إن هذه الدموع لا تمثل إلا عشر ما ترونه من بكائي المتواصل على فقد حبيبتي، وهنا يأتي دور القافية المطلقة كذلك في التعبير عن كثرة وامتداد هذا البكاء. وذلك في قوله:
لا تلوموا بكاء عيني، فهذا |
| عشر ما لا ترونه من بكائي |
يقول بعد هذا البيت:
صرت كالطفل حين فارقت أمي |
| تائهـا مثـل ريشـة في الفضاء |
ولعل الشاعر قد نجح في اقتناص هذا التشبيه بالطفل حين بدأ الفكرة في البيت الذي يسبقه بالبكاء الذي عادة ما يكون أكثر مناسبة للطفل من الكبير، ومع ذلك عاد ليختم البيت بمفردة تحتاج إلى امتداد في الصورة الشعرية، فهو يشبه نفسه بالطفل الذي حين يفارق أمه يعود كالريشة المترامية في الفضاء الفسيح، والفضاء الكبير يحتاج إلى قافية مطلقة تناسب احتياج المتلقي لاستدعاء الصورة الشعرية في نفسه.
وعند تأملنا كذلك للقصيدة الثانية "قراءة في كتاب الحنين" نلحظ أنها جاءت كذلك على قافية مطلقة تناسب امتدادات الألم فيها، ولعلنا نقتنص أول بيتين فيها حين يقول الشاعر:
باحـة الحب والصبا والشباب |
| خبريني، ما سـر هذا العذاب؟ |
مـا لعينيـك تذرفان دموعا |
| كدموعي، وتوقظان اكتئابي؟! |
فالشاعر هنا يسأل مدينته التي عاش فيها صباه وشبابه، والتي تملأ قلبه ونفسه وشعوره، يسألها أن تخبره عن سر هذا العذاب الذي يراه في شوارعها وجبالها وأوديتها وزواياها، ونجد هنا أثر القافية المطلقة التي انطلقت بها عذابات المدينة الكئيبة بعد فراقها والدة الشاعر.
ثم يتساءل الشاعر مرة أخرى متعجبا من هذه الدموع التي تذرفها الباحة، والتي تشبه دموعه الكثيرة التي تتكفل عادة بإيقاظ الاكتئاب في نفسه، فالقافية المطلقة هنا جاءت بعد اليقظة، والعادة في ذلك استمرار الحياة بعد الاستيقاظ لابتعاد منازل النعاس والنوم، فكذلك الاكتئاب حين يستيقظ فإنه يستمر، فناسبت القافية المطلقة هنا معنى أراد الشاعر إيصاله للمتلقي، وهو ملازمته للاكتئاب بعد رحيل والدته عن هذه الدنيا. وقد تكررت القافية المطلقة كذلك في القصيدتين الخامسة والسادسة.
أما تقييد القافية فقد انفردت به قصيدتان، القصيدة الثالثة والرابعة، أما الثالثة " عام مضى" فجاءت مضمخة بالحزن والشكوى، ساكنة القافية يكاد كل ما فيها يدل على محدودية الزمان والمكان، فالشاعر يكرر لفظة العام الذي مضى به في غياب أمه عن هذه الدنيا:
|
| وأنت عن منـزلنا نــائيه |
عام مضى، لم نسق أرواحنا |
| من نبع تلك البسمة الصافيه |
عام مضى لم نرتشف رشفة |
| واحـدة من روحك الغاليه |
وهذا العام محدود الزمن بالشهور والأيام، فهو أمر محدد مقطوع يناسبه قافية مقيدة مقطوعة النفس، فهو خلال عام كامل لم ير أمه أمامه سوى في ذكرياته، ومن خلال هذا العام نفسه لم تسق روحه من نبع بسمتها الصادقة، وفي العام نفسه عاش الشاعر شح الحياة والسعادة حين لم يشرب من روح أمه الغالية.
أما محدودية المكان فلعلها تتجلى حين يطرق الشاعر سمع المتلقي بمفارقة عجيبة حين ينقل الحياة من هذه الدنيا إلى القبر وينقل الوحشة والخوف إلى الدنيا التي يعيشها، فالأمان يتبع والدته في كل مكان، يقول:
عام مضى، والقبر مستأمن |
| والبيت في وحشته الثاويه |
وفي القصيدة الرابعة "يا أم وجداني" تتأكد فكرة محدودية المكان كذلك حين ينادي الشاعر أمه فلا تجيبه، فهو عائد من السفر كعادته، ولكنه لم يتصل بها حين تذكر رحيلها وغيابها عن هذه الدنيا، يقول:
أماه، جئت إلى الرياض من السفر |
| لم تسمعي – أماه – عن هذا الخبر |
ولعلنا نلحظ هنا محدودية المكان وتمركزه فهو الرياض، ومحدودية الفكرة وهي وصوله الرياض وانقطاع سفره بالمكث، ومحدودية الخبر الذي لا يحتمل سوى التصديق أو التكذيب، فالخبر يحتمل أمرا واحدا يقطع به إما الصدق أو الكذب، فناسب ذلك كله قافية مقيدة، فتقييد القافية يسهم في إبراز جانب الكبت والحزن، ذلك أن" للسكون في القوافي من الصرامة والجهامة ما لا يوجد في القوافي المطلقة".
الخـاتمة
ناقشت هذه الدراسة موضوع الإيقاع الخارجي في مرثيات عبد الرحمن العشماوي ديوان "هي أمي" أنموذجا، فقد كان يشدني شعر العشماوي في جميع أغراضه لا سيما مرثياته المتنوعة في موضوعاتها، فقد رثى الشاعر العشماوي المكان والزمان والأمة والنفس، إلى غير ذلك من موضوعات الرثاء المتنوعة.
ومن خلال قراءتي لبعض مدونات الشاعر وخاصة في غرض الرثاء، تكونت في نفسي تساؤلات حركت روح البحث، فقد أحببت غرض الرثاء لما أجد فيه من صدق العبارة، وخاصة عند الشاعر محل الدراسة الذي استطاع أن يوظف أبدع فنون الصناعة الشعرية في قصائده.
ولقد وجدت ما أريد من خلال ديوان الشاعر الموسوم "هي أمي"؛ فهو ديوان كامل كان الرثاء وجهته الوحيدة خاصة في موضوع واحد هو الأم، فلقد جاءت جميع قصائد الديوان ترثي والدة الشاعر، مما سهل علي عناء البحث والتنقيب عن مواطن الرثاء في مدونة الشاعر العشماوي، فقمت بدراسة الإيقاع الخارجي في هذه المدونة الشعرية الخاصة بالرثاء.
وقد جاءت الدراسة مبينة أثر الإيقاع الخارجي في قصيدة الرثاء عند الشاعر العشماوي، وأجابت عن بعض التساؤلات التي كانت محل الدراسة، فقد أجابت عن أهمية اختيار البحر الشعري لقصيدة الرثاء، والوزن الذي تنتظم من خلاله، وكذلك بينت الدراسة معنى الإيقاع وقيمته الفنية، وأثر الإيقاع المختار في قصيدة الرثاء.
وجاءت الدراسة بمقدمة تحدثت فيها عن مشكلة البحث وأهدافه، وتمهيد عرفت فيه بالإيقاع، ثم عرفت الدراسة بالشاعر، وناقشت بحور قصائد الديوان بالتفصيل والتقطيع للأبيات، ثم درست الإيقاع الخارجي للقصائد من خلال البحر والقافية.
المصادر والمراجع
- إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ط2، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1952م).
- ابن منظور، لسان العرب، ط3، (بيروت: دار صادر، 1414هـ).
- أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده، المخصص، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، ط1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1996م).
- أبو هلال العسكري، الصناعتين: الكتابة والشعر، تحقيق: علي البيجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، (بيروت: المكتبة العصرية، 1419هـ).
- أبو يعلى التنوخي، كتاب القوافي، تحقيق: عوني عبد الرؤوف، ط2، (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1978م).
- التبريزي، كتاب الكافي في العروض والقوافي، تحقيق: الحساني حسن عبد الله، ط3، (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1994م)، 17.
- حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، ط3، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1986م).
- الحسن بن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط5، (بيروت: دار الجيل، 1405هـ).
- حسني يوسف، موسيقى الشعر العربي، (مصر: الهيئة المصرية العانة للكتاب، 1989م).
- شوقي ضيف، فصول في الشعر ونقده، ط2، (القاهرة، دار المعارف، 2008م).
- صالح الشاعر، مقالة بعنوان سياق الكلمة وحركة القافية، متاح على موقع ديوان العرب.
- عبد الرحمن العشماوي، ديوان هي أمي، ط1، (الرياض: مكتبة العبيكان، 1428هـ).
- عبد الفتاح صالح نافع، عضوية الموسيقى في النص الشعري، ط3، (الأردن: مكتبة المنار، 1985م).
- عبد الله بن الطيب المجذوب، المرشد إلى فهم أشعار العرب، ط2، (الكويت: دار الآثار الإسلامية، 1409هـ).
- علي يونس، نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، ط1، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م).
- غازي يموت، بحور الشعر العربي عروض الخليل، ط2، (بيروت: دار الفكر اللبناني، 1992م).
- فدوى قاسم، الرثاء في الأندلس عصر ملوك الطوائف، رسالة ماجستير، (نابلس: جامعة النجاح الوطنية، 2002م).
- محمد بن أحمد طباطبا، عيار الشعر، تحقيق: عبد العزيز المانع، ط1، (القاهرة: مكتبة الخانجي).
- محمود فاخوري، موسيقا الشعر العربي، ط1، (حلب: مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، 1996م).
- معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، جمع وترتيب وتنفيذ: هيئة المعجم، ط2، (الكويت: مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية)، المجلد الثالث.
- موقع جريدة الصباح الكويتية: https://www.alsabahpress.com/public/2013-03-22/6904، مقال علاقة الصورة الشعرية بالإيقاع لمحمد مهاوش الظفيري.
- موقع مداد على شبكة الإنترنت، تراجم وشخصيات، 27 شوال 1428هـ.
Powered by Froala Editor